فصل: سورة القصص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (82):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} [82].
{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} اعلم أن في هذا الوعيد وجوهاً من التأويل:
الأول: أنه دنيويّ، عنى به نصر الرسول صلوات الله عليه، عليهم. والمعنى أنّ أولئك الصم عن سماع الآيات، المعمي عن النظر فيها، الجاحدين لها، سيأتيهم أنباء حقيقة ما كانوا يدعون إليه من نصر الداعي وهو الرسول وأتباعه، وتكثير سوادهم حتى يظفروا بمناوئيهم. ويظهروا على عدوّهم. وذلك بأن تدبّ إليهم من المؤمنين دابة عظمى تملأ السهل والربا، تزلزل أركانهم وتهدم بنيانهم وتقوض خيامهم وتدكّ أعلامهم. فتكلمهم حينئذ بلسان الحال أو المقال، بأنهم إنما أخذوا بالعقاب، وحل بهم شديد العذاب لضلالهم وإضلالهم العباد. وسعيهم في الأرض الفساد. فإن الإيمان دعامة الصلاح والإصلاح. وقائد الفلاح والنجاح، وقد سبقت كلمته لعباده المرسلين إنهم لهم المنصورون، وإن جنده لهم الغالبون. وقد صدق الله وعده. وأعز جنده.
والوجه الثاني: أن الدابة حيوان بخلاف ما نعرفه. يختص خروجها بحين القيامة، قال بعضهم: والمعنى إذا قامت القيامة بعث الله نوعاً مخصوصاً من دواب هذه الأرض، كما يبعث غيره من أنواع الدواب الأخرى. وينطقه فيوبخ الإنسان على كفره، كما ينطق أعضاءه في ذلك اليوم أيضاً. قال: فليس المراد من قوله: {دَابَّةً} الفرد، بل النوع. كما في قولك: أرسل الله عليهم دودة أتلفت زرعهم، أي: ديدناً كثيرة، من نوع واحد مخصوص.
وقد روي فيها أحاديث وأثار كثيرة، لم يصحح البخاريّ منها شيئاً، لاضطراب متونها وضعف رجالها. وأمثل مأثورها ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن عَمْرو مرفوعاً: «إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى. وأيهما ما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على إثرها قريباً».
ومعلوم أن أمور الآخرة من عالم الغيب. ولا يؤخذ فيها إلا بما كان قطعيّ الثبوت.
الوجه الثالث: نقله الراغب في مفرداته قال: وقيل عنى بالدابة الأشرار الذين هم في الجهل بمنزلة الدواب. فتكون الدابة جمعاً، اسماً لكلّ ما يدبّ. نحو: خائنة جمع خائن. انتهى.
ولعل الآية كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [96- 97]، فإن يأجوج ومأجوج كالدابة، لما يغطي بدبيبه وجه الأرض- فهو مثل في الكثرة. والله أعلم.

.تفسير الآيات (83- 84):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [83- 84].
{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي: يحبس أولهم على آخرهم، حتى يجتمعوا فيكبكبوا في النار. وهذه عبارة عن كثرة العدد وتباعد أطرافه. كما وصفت جنود سليمان بذلك. وكذلك قوله: {فَوْجاً}، فإن الفوج الجماعة الكثيرة. أفاده الزمخشري: {حَتَّى إِذَا جَاءُوا} أي: إلى المحشر: {قَالَ} أي: ليفضحهم في هذا اليوم المشهود: {أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي} أي: الناطقة بلقاء يومكم هذا وقوله: {وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً} جملة حالية مفيدة لزيادة شناعة التكذيب وغاية قبحه. ومؤكدة للإنكار والتوبيخ. أي: أكذبتم بها بادئ الرأي، غير ناظرين فيها نظراً يؤدي إلى العلم بكنهها، وأنها حقيقة بالتصديق حتماً؟ وهذا نص في أن المراد بالآيات، فيما سلف في الموضعين، هي الآيات القرآنية، لأنها هي المنطوية على دلائل الصحة، وشواهد الصدق التي لم يحيطوا بها علماً، مع وجوب أن يتأملوا ويتدبروا فيها. لا نفس الساعة وما فيها. أفاده أبو السعود: {أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: بها. أو ماذا كان عملكم؟ هل هو إلا الفساد والإفساد؟ وصد السبيل عن العباد؟ ولذا حقت كلمة العذاب عليهم. كما قال تعالى:

.تفسير الآيات (85- 89):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [85- 89].
{وَوَقَعَ الْقَوْلُ} أي: مدلوله وهو العقاب الموعودون به: {عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً} أي: ليبصروا، بما فيه من الإضاءة طرق التقلب في أمور المعاش: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ} أي: حضروا الموقف بين يديه: {دَاخِرِينَ} أي: صاغرين: {وَتَرَى الْجِبَالَ} عطف على ينفخ داخل في حكم التذكير: {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} أي: ثابتة في أماكنها: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} أي: في تخلل أجزائها وانتفاشها. كما في قوله تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 5]، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} أي: فيجازيهم عليه.
تنبيه:
ما ذكرناه في تفسير هذه الآية هو ما ذهب إليه كثير. قالوا: المراد بهذه الآية تسيير الجبال الذي يحصل يوم القيامة، حينما يبيد الله تعالى العوالم، كما قال: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ: 20]، وكما قال: {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} [المرسلات: 10]، وقال: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 5].
وقال بعض علماء الفلك: لا يمكن أن يكون المراد بهذه الآية ما قالوه، لعدة وجوه:
الأول: أن قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} لا يناسب مقام التهويل والتخويف إذا أريد بها بما يحصل يوم القيامة. وكذلك قوله: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}، لا يناسب مقام الإهلاك والإبادة، على أن محل هذه الآية على المستقبل، مع أنها صريحة في إرادة الحال، شيء لا موجب له. وهو خلاف الظاهر منها.
الثاني: أن سير الجبال للفناء يوم القيامة، يحصل عند خراب العالم وإهلاك جميع الخلائق وهذا شيء لا يراه أحد من البشر كما قال: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68]، أي: من الملائكة. فما معنى قوله إذن: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً}؟.
الثالث: أن تسيير الجبال الذي يحصل يوم القامة، إذا رآه أحد شعر به. لأنه ما دام وضعها يتغير بالنسبة للإنسان، فيحسّ بحركتها. وهذا ينافي قوله تعالى: {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} أي: ثابتة. أما في الدنيا فلا نشعر بحركتها، لأننا نتحرك معها ولا يتغير وضعنا بالنسبة لها. وهذا بخلاف ما يحصل يوم القيامة. فإن الجبال تنفصل عن الأرض وتنسف نسفاً. وهذا شيء يراه كل واقف عندها.
الرابع: ورود هذه الآية في سياق الكلام على يوم القيامة، لورود آية: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً} المذكورة قبلها في نفس هذا السياق، والمراد بهما ذكر شيء من دلائل قدرة الله تعالى، المشاهدة آثارها في هذا العالم الآن من حركة الأرض وحدوث الليل والنهار، ليكون ذلك دليلاً على قدرته على البعث والنشور يوم القيامة فإن القادر على ضبط حركات هذه الأجرام العظيمة، لا يصعب عليه أن يعيد الإنسان، وأن يضبط حركاته وأعماله ويحصيها عليه. ولذلك ختم هذه الآية بقوله: {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} فذكر هذه الأشياء في هذا السياق، هو كذكر الدليل مع المدلول، أو الحجة مع الدعوى. وهي سنة القرآن الكريم. فإنك تجد الدلائل منبثة بين دعاويه دائماً، حتى لا يحتاج الإنسان لدليل آخر خارج عنها. وذلك شيء مشاهد في القرآن من أوله إلى آخره. كلامه.
وقال العلامة المرجانيّ في مقدمة كتابه وفيّة الأسلاف، وتحيّة الأخلاف في بحث علم الهيئة، ما مثاله:
ويدل على حركة الأرض قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} الآية. فإنه خطاب لجناب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإيذان الأمر له بالأصالة مع اشتراك غيره في هذه الرؤية. وحسبان جمود الجبال وثباتها على مكانها، مع كونها متحركة في الواقع بحركة الأرض، ودوام مرورها مرّ السحاب في سرعة السير والحركة. قال: وقوله: {صُنْعَ اللَّهِ} من المصادر المؤكدة لنفسها. وهو مضمون الجملة السابقة. يعني أن هذا المرور هو صنع الله. كقوله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ} [النساء: 122]، {صِبْغَةَ اللَّهِ} [البقرة: 138]، ثم الصنع هو عمل الإنسان، بعد تدرّب فيه وتروًّ وتحري إجادة. ولا يسمى كل عمل صناعة، ولا كل عامل صانعاً حتى يتمكن فيه ويتدرب وينسب إليه. وقوله: {الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} كالبرهان على إتقانه، والدليل على إحكام خلقته، وتسويته مروره على ما ينبغي. لأن إتقان كل شيء، يتناول إتقانه. فهو تثنية للمراد وتكرير له، كقوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عِمْرَان: 97]، قال: وقد اشتملت هذه الآية على وجوه من التأكيد، وأنحاء من المبالغة. فمن ذلك تعبيره بالصنع الذي هو الفعل الجميل المتقن المشتمل على الحكمة. وإضافته إليه تعالى تعظيماً له وتحقيقاً لإتقانه وحسن أعماله. ثم توصيفه سبحانه بإتقان كل شيء، ومن جملته هذه المرور. ثم إيراده بالجملة الاسمية الدالة على دوام هذه الحالة واستمرارها مدى الدهور. ثم التقييد بالحال، لتدل على أنها لا تنفك عنها دائماً. فإن قوله تعالى: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} حال من المفعول به، وهو الجبال. ومعمول لفعله الذي هو رؤيتها على تلك الحال.
فهذه الآية صريحة في دلالتها على حركة الأرض ومرور الجبال معها في هذه النشأة. وليس يمكن حملها على أن ذلك يقع في النشأة الآخرة، أو عند قيام الساعة وفساد العالم وخروجه عن متعاهد النظام. وأن حسبانها جامدة لعدم تبين حركة كبار الأجرام إذا كانت في سمت واحد. فإن ذلك لا يلائم المقصود من التهويل على ذلك التقدير. على أن ذلك نقض وإهدام، وليس من صنع وإحكام. قال: والعجب من حذاق العلماء المفسرين، عدم تعرضهم لهذا المعنى، مع ظهوره واشتمال الكتب الحكمية على قول بعض القدماء. مع أنه أولى وأحق من تنزيل محتملات كتاب الله على القصص الواهية الإسرائيلية، على ما شحنوا بها كتبهم. وليس هذا بخارج عن قدرة الله تعالى، ولا بعيد عن حكمته، ولا القول به بمصادم للشريعة والعقيدة الحقة، بعد أن تعتقد أن كل شيء حادث بقدرة الله تعالى وإرادته وخلقه بالاختيار، كائناً ما كان، وهو العليّ الكبير، وعلى ما يشاء قدير.
واعلم أن هذه الآية وما قبلها من قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ} الآية. اعتراض في تضاعيف ما ساقه من الآيات الدالة على أحوال الحشر وأهوال القيامة، كاعتراض توصية الإنسان بوالديه في تضاعيف قصة لقمان. ومثل ذلك ليس بعزيز في القرآن.
وفائدته هنا، التنبيه على سرعة تقضّي الآجال ومضيّ الآماد. والتهويل من هجوم ساعة الموت وقرب ورود وقت المعاد. فإن انقضاء الأزمان، وتقضي الأوان، إنما هو بالحركة اليومية المارّة على هذه السرعة المنطبقة على أحوال الإنسان. وهذا المرور. وإن لم يكن مبصراً محسوساً، لكن ما ينبعث منه تبدل الأحوال، بما يطرأ من تعاقب الليل والنهار وغيره، بمنزلة المحسوس المبصَر: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]، فيكون هذا معجزة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، مخصوصة به، إذ لم يخبر به غيره من الأنبياء.
فليس بممكن حمل الآية على تسيير الجبال الواقع عند قيام الساعة ووفاء النشأة الآخرة. إذ ليس هو من الصنع في شيء. بل هو إفساد أحوال الكائنات، وإخلال نظام العالم، وإهلاك بني آدم. كلام المرجانيّ.
{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} أي: لا يعتريهم ذلك الفزع الهائل. وقرئ: {فَزَعِ يَوْمِئذٍ} بالإضافة وكسر الميم وفتحها. و{فزع} منوناً وفتح الميم، على أنه ظرف لآمنون أو المحذوف هو صفة للفزع. والتنوين في يومئذ عوض عن جملة محذوفة، أي: يوم إذا جاءوا بالحسنة.

.تفسير الآيات (90- 93):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [90- 93].
{وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: من الشرك والمعاصي: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} أي: مكة: {الَّذِي حَرَّمَهَا} أي: جعلها حرماً آمناً لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاها. وفيه تعريض بجحدهم نعمته تعالى في ذلك، حيث آمنهم من خوف، وأجلّهم في أَعْيَن القبائل، ووقاهم من الفتن المنتشرة عند غيرهم، إجلالاً لهذا البيت. وهم لم يرعوا هذه النعمة بالقيام بواجب شكرها، من عبادته تعالى وحده، وسعيهم بالإصلاح: {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} أي: خلقاً وملكاً. فهو خالق كل شيء ومليكه: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي: ممن أسلم وجهه لله، لا لغيره.
{وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} أي: عليكم، تلاوة الدعوة إلى الإيمان به، لما اشتمل عليه من سعادة الدارين: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} أي: فمن اتبع ما فيه من توحيد الله، ونفي الأنداد عنه، والدخول في الملة الحنيفية، واتباع ما أنزل عليّ من الوحي، فمنفعة اهتدائه راجعة إليه، لا إليّ: {وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} أي: ومن ضل عن الإيمان وأخطأ بزَيْغِهِ طريق الهدى، ولم يتبعني، فَلَا عَلَيَّ. وما أنا إلا رسول منذر، وما على الرسول إلا البلاغ المبين: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} أي: على ما هدانا لهذا الدين، ومنّ علينا بصراطه المستقيم: {سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} كقوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53]، وقوله: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88]، {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} أي: من الشرك والتكذيب ونصب المكايد. بل هو شهيد رقيب، جل جلاله وعظم نواله، ولا إله غيره.

.سورة القصص:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 4):

القول في تأويل قوله تعالى: {طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [1- 4].
{طسم} تقدم الكلام على هذه الحروف غير ما مرة: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: نقرأ عليك، بواسطة الروح الأمين، تلاوة ملتبسة بالحق. كما قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3]، ثم استأنف ما يجري مجرى التفسير للمجمل الموعود، بقوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ} أي: تكبر وتجاوز الحد في الطغيان، في أرض مصر: {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً} أي: فرقاً وأصناماً في استخدامه وطاعته: {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} وهم بنو إسرائيل: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} وذلك إماتة لرجالهم، وتقليلاً لعددهم، كيلا يكثروا فينازعوه الملك: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} أي: المتمكنين في الإفساد وقهر العباد.
ثم أشار تعالى إلى فرجه الذي جعله لتلك الطائفة، بقوله: